الثلاثاء، 24 يونيو 2014

القدرة على التأمل

‏ يتم العمل الإنساني داخل المجتمع عن طريق التأمل النقدي الذي يكون لدى الفرد القدرة على ‏تأمل ما بداخله من أ فكار و على التأمل الواقع، و قيام الإنسان بالعمل الملائم له و الذي يتضمن إرادة، و اختياراً، و مخيلة متصورة، و ابتكاراً، و تغييراً للواقع .
و هذا البعد الإنساني، أو ألسنة المجتمع لا تتحقق إلا من خلال الكفاح من أجل العدل‏ الاجتماعي، الذي يبني على تعلم القراءة و الكتابة Literacy ثم قراءة الكلمة و العالم، و على الوعي النقدي The Critical Consciousness، و خلق التحرير The Creation of Liberation، و رفع الإنتاج الاقتصادي عندما يفهم الناس ما يحيط بهم.

‏و التعليم الإنساني تعليم حواري واضح، يتطلب التحرر المشترك و المستمر الذي ينفذ بواسطة الطلاب الذين يدركون أن المعرفة هي عملية من الإدراك غير منتهية، و أيضاً المعرفة بواسطة المربيين ‏الذين يعرفون أنهم أنفسهم طلاب.

‏و يتضمن مفهوم الألسنة عند " فر يري " كلا من العدل الاقتصادي و النمو النفسي و الاجتماعي ‏لأفراد المجتمع.

‏و تتلاقى دعوته الحارة و إيمانه العميق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدعوات " فرانز فانون " في ( المعذبون ‏في الأرض )، و إيرك فروم ( الخوف من الحرية )، و كارل مانها يم ( أزمة عالمنا المعاصر )، و إيفان إيلتش ( مجتمع بلا مدارس )، و برت راند راسل ( القوة )، و غيرهم من المفكرين الذين أدركوا ما يتهدد الكيان الإنساني من قوة التسلط السياسي و مؤسساتها و يتبرأ أحياناً من بعض الفلاسفة لأنهم استطاعوا تفسير العالم بطرق مختلفة، لكن الأهم من ذلك هو العمل على تغييره، و هذا مما لم يقدم عليه كثير منهم.
هذه الفلسفة التي اعتنقها فريري لها بعد إنساني؛ لأنها تنطلق من ضرورة تحويل الإنسان من كائن لغيره إلى كائن لنفسه و لغيره، يعمل على تخليص المقهورين من مرات الصمت من أجل استرداد أصواتهم باعتباره الشرط الأساسي لتحرير إنسانيتهم.


‏و دور المعلم في الألسنة دور مستنير، ينطلق من إيمان عميق بالإنسان و حاجته إلى الحب و نشر الحب بين تلاميذه، و إيمان بالجهد البناء للتربية الذي ينصب على مساعدة الناس على تحرير أنفسهم، و ليس على احتوائهم أو السيطرة عليهم، و على قناعة تامة بأنه عندما يفكر الناس فيما يسيطر عليهم و يقهرهم فإنهم يكونون قد بدأوا الخطوة ‏الأولى في تغيير علاقتهم بالعالم. أن المعلم الانساني الثوري تتفق أهدافه مع أهداف تلاميذه الذين يرغبون في شغل أنفسهم بالتفكير النقدي الذي يحقق لهم إنسانيتهم، فهذا المعلم يثق ثقة عظيمة بالرجال و قدراتهم في الإبداع، لذلك فلا تجده يقوم بدور المتسلط بل يقوم بدور المشار مع تلاميذه، و هذا اتجاه لا يعترف بالمفهوم البنكي للتعليم، و هكذا فإن السبيل الوحيد من أجل حل التناقض في علاقة المدرس و التلميذ المتمثلة في كونه مودعاً و مشيئاً و مدجناً هو القضاء على حقيقة القهر من أجل خدمة أهداف الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق